فصل: الحديث السَّابِع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة وَلَا فِي بَدو، لَا تُقَام فيهم الْجَمَاعَة إِلَّا استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بأسانيد صَحِيحَة من رِوَايَة أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور وَزِيَادَة: «فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَة؛ فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْب من الْغنم القاصية». قَالَ السَّائِب- أحد رُوَاته- إِنَّمَا يَعْنِي بِالْجَمَاعَة: جمَاعَة الصَّلَاة.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي مَوَاضِع مِنْهُ:
إِحْدَاهَا: فِي أَوَائِل صَلَاة الْجَمَاعَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَى قَوْله: «فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَة» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
ثَانِيهَا: بعد هَذَا الْموضع بِثَلَاثَة أوراق بِلَفْظ: «الْجَمَاعَة» بِكَمَالِهِ.
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَدُوق رُوَاته شَاهد لما تقدمه، مُتَّفق عَلَى الِاحْتِجَاج برواته إِلَّا السَّائِب بن حُبَيْش. قَالَ: وَقد عرف من مَذْهَب زَائِدَة- يَعْنِي الرَّاوِي عَن السَّائِب- أَنه لَا يحدث إِلَّا عَن الثِّقَات.
قلت: والسائب هَذَا وَثَّقَهُ الْعجلِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: من أهل الشَّام صَالح الحَدِيث لَا أعلم حدث عَنهُ غير زَائِدَة.
قلت: قد حدث عَنهُ أَيْضا حَفْص بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ الْحلَبِي. وَأما الإِمَام أَحْمد فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنهُ: أثقة هُوَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي.
ثَالِثهَا: فِي كتاب التَّفْسِير بِلَفْظ: «لَا تُقَام فيهم الصَّلَاة...» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «مَا من خَمْسَة أَبْيَات لَا يجمعُونَ الصَّلَاة إِلَّا استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان».
وَاعْلَم أَن لفظ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إِيرَاد هَذَا الحَدِيث: «مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة لَا تُقَام فيهم الصَّلَاة إِلَّا استحاذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان» وَزَاد فِي الْمُهَذّب: «فِي قَرْيَة وَلَا بَدو» وَقَالَ: «الْجَمَاعَة» بدل «الصَّلَاة» وَقَالَ: «استحوذ» بدل «استحاذ» مَعَ أَن فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ: «استحوذ» بِالْوَاو- وَقَالَ: «وَلَا تُقَام»- بِإِثْبَات الْوَاو- وَلم أر من خرجه بإثباتها وَلَا من خرجه بِلَفْظ: «استحاذ» إِن لم يكن ذَلِك من بعض النساخ.
وَقد قَالَ ابْن الْأَثِير فِي نهايته فِي «حوذ» بعد ذكره هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ «استحوذ»- بِالْوَاو- وَأَن الْمَعْنى: اسْتَوْلَى عَلَيْهِم وحواهم إِلَيْهِ. هَذِه اللَّفْظَة أحد مَا جَاءَ عَلَى الأَصْل من غير إعلال خَارِجا عَن أخواتها نَحْو: استقال واستقام.

.الحديث الرَّابِع:

رُوِيَ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أم ورقة أَن تؤم أهل دارها».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْوَلِيد بن جَمِيع، عَن جدته وَعَن عبد الرَّحْمَن ابْن خَلاد الْأنْصَارِيّ، عَن أم ورقة بنت نَوْفَل «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما غزا بَدْرًا قَالَت: يَا رَسُول الله، ائْذَنْ لي فِي الْغَزْو مَعَك أمرض مرضاكم، لَعَلَّ الله- سُبْحَانَهُ- يَرْزُقنِي شَهَادَة. قَالَ: قري فِي بَيْتك فَإِن الله يرزقك الشَّهَادَة. قَالَ: فَكَانَت تسمى الشهيدة، وَكَانَت قد قَرَأت الْقُرْآن؛ فاستأذنت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تتَّخذ فِي دارها مُؤذنًا فَأذن لَهَا. قَالَ: وَكَانَت دبرت غُلَاما لَهَا وَجَارِيَة فقاما إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فغماها بقطيفة لَهَا حَتَّى مَاتَت وذهبا فَأصْبح عمر فَقَامَ فِي النَّاس فَقَالَ: من كَانَ عِنْده من هذَيْن علم- أَو من رآهما- فليجئ بهما. فَأمر بهما فصلبا، فَكَانَا أول مصلوب بِالْمَدِينَةِ».
زَاد الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الْوَلِيد عَن جدته: «فَقَالَ عمر: صدق رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: انْطَلقُوا نزور الشهيدة» وَذكر فِي أَوله أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ قَالَ لَهَا لما أَرَادَت أَن تخرج مَعَه إِلَى بدر: «إِن الله يهدي لَك شَهَادَة». وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد من حَدِيث الْوَلِيد، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أم ورقة بِهِ. وَالْأول أتم، قَالَ: «وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ يزورها فِي بَيتهَا وَجعل لَهَا مُؤذنًا وأمرها أَن تؤم أهل دارها». قَالَ عبد الرَّحْمَن بن خَلاد: فَأَنا رَأَيْت مؤذنها شَيخا كَبِيرا. وَلم يذكر جدته.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه فِي أَوَائِل الصَّلَاة من حَدِيث الْوَلِيد بن جَمِيع، عَن أمه، عَن أم ورقة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أذن لَهَا أَن يُؤذن لَهَا ويقام وتؤم نساءها».
وَرَوَاهُ فِي أَوَاخِر كتاب الصَّلَاة من حَدِيث الْوَلِيد، عَن جدته، عَن أم ورقة- وَكَانَت تؤم- «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أذن لَهَا أَن تؤم أهل دارها».
وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث الْوَلِيد، عَن عبد الرَّحْمَن بن خَلاد، عَن أَبِيه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ أذن لأم ورقة أَن تؤم أهل دارها وَكَانَ لَهَا مُؤذن».
قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز، عَن الْوَلِيد، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أم ورقة «أَنَّهَا اسْتَأْذَنت...».
وَرَوَاهُ وَكِيع، عَن الْوَلِيد، عَن جدته، وَعبد الرَّحْمَن، عَن أم ورقة.
وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن الْوَلِيد، عَن جدته. لم يذكرُوا عبد الرَّحْمَن.
قلت: وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، عَن الْوَلِيد، عَن جدته، عَن أم ورقة- كَمَا أَفَادَهُ ابْن عَسَاكِر- وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث الْوَلِيد، عَن لَيْلَى بنت مَالك وَعبد الرَّحْمَن بن خَلاد الْأنْصَارِيّ، عَن أم ورقة الْأَنْصَارِيَّة أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يَقُول: «انْطَلقُوا بِنَا إِلَى الشهيدة فنزورها. وَأمر أَن يُؤذن لَهَا ويُقَام وتؤم أهل دارها فِي الْفَرَائِض».
والوليد هَذَا ثِقَة من فرسَان مُسلم وَمِمَّنْ صرح بتوثيقه يَحْيَى بن معِين، وَالْإِمَام أَحْمد وَأَبُو زرْعَة فَقَالَا: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَأَبُو حَاتِم فَقَالَ: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ الْبَزَّار: حدث عَنهُ جمَاعَة وَاحْتَملُوا حَدِيثه، وَكَانَ فِيهِ تشيع. وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: قد احْتج مُسلم بالوليد بن جَمِيع، وَهَذِه سنة غَرِيبَة، لَا أعرف فِي الْبَاب حَدِيثا مُسْندًا غير هَذَا.
قلت: وَقَول هَؤُلَاءِ مقدم عَلَى تَضْعِيف ابْن حبَان لَهُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّه ينْفَرد عَن الْأَثْبَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الثِّقَات، فَلَمَّا فحش ذَلِك مِنْهُ بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقد تبعه فِي ذَلِك الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين فِي أَحْكَامه فَقَالَ: قَول هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة فِي توثيقه مقدم عَلَى قَول ابْن حبَان فِيهِ؛ لأَنهم أعلم مِنْهُ نعم الشَّأْن فِي جدته فَإنَّا لَا نعلم لَهَا حَالا، وَكَذَا عبد الرَّحْمَن بن خَلاد وَإِن نقل عَن ابْن حبَان أَنه ذكر عبد الرَّحْمَن فِي ثقاته وَقد أعله بهما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: حَال عبد الرَّحْمَن مَجْهُولَة، وَجدّة الْوَلِيد كَذَلِك لَا تعرف أصلا.
وليلى بنت مَالك السالفة فِي رِوَايَة الْحَاكِم قَالَ الصريفيني- فِيمَا رَأَيْته بِخَطِّهِ فِي كتاب- إِنَّهَا أم ورقة.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: هَذَا الحَدِيث سكت عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن، وَعبد الْحق فِي الْأَحْكَام، وَقد علمت مَا فِيهِ من الِاضْطِرَاب والجهالة.
ثَانِيهَا: وَقع فِي أَحْكَام عبد الْحق: أم ورقة بنت الْحَارِث، وناقشه ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك فَقَالَ: إِنَّمَا وَقع فِي كتاب أبي دَاوُد الَّذِي نَقله من عِنْده أم ورقة بنت عبد الله بن الْحَارِث.
قلت: وَالْأَمر فِي هَذَا قريب، فَإِنَّهُ نَسَبهَا إِلَى جدها.
ثَالِثهَا: لما ذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه هَذَا الحَدِيث قَالَ: الْوَلِيد بن جَمِيع ضَعِيف وَأمه مَجْهُولَة.
وَهَذَا عَجِيب مِنْهُ؛ فالوليد قد علمت حَاله وَتبع فِي ذَلِك مقَالَة ابْن حبَان السالفة، وَقد ذكره أَيْضا فِي ضُعَفَائِهِ، وَاقْتصر عَلَى هَذِه القولة فِيهِ، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ.
وَأما الذَّهَبِيّ فَإِنَّهُ ذكره فِي كتاب الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء وَلم يعقبه بِتَضْعِيف، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنه تكلم فِيهِ. وَقَوله «إِن أمه مَجْهُولَة» تبع فِيهِ رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ السالفة فَإِنَّهُ أوردهَا من جِهَته، وَقد أسلفنا أَن رِوَايَة غَيره أَنَّهَا جدته.

.الحديث الخَامِس:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «نهَى النِّسَاء عَن الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد فِي جمَاعَة الرِّجَال إِلَّا عجوزًا فِي منقلها».
هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني رَفعه بعد الْبَحْث عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أبي الْوَلِيد إِسْمَاعِيل بن عمر، عَن المَسْعُودِيّ، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره مَا صلت امْرَأَة صَلَاة أفضل من صَلَاة تصليها فِي بَيتهَا إِلَّا مَسْجِد مَكَّة وَالْمَدينَة إِلَّا عجوزًا فِي مَنْقلها». ثمَّ قَالَ: تَابعه جَعْفَر بن عون وَغَيره عَن المَسْعُودِيّ.
قلت: والمسعودي ثِقَة اخْتَلَط بِأخرَة، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله.
واعْلَم أَن الرَّافِعِيّ تبع فِي إِيرَاده مَرْفُوعا صَاحب الْمُهَذّب فَإِنَّهُ ذكره كَذَلِك لَكِن لَفظه: «نهَى النِّسَاء عَن الْخُرُوج إِلَّا عجوزًا فِي منقليها».
وأعقبه الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب بأثر ابْن مَسْعُود هَذَا فَقَط، وَسكت عَلَيْهِ وَلم يتبعهُ بتصحيح وَلَا بِتَضْعِيف.
وَأما النَّوَوِيّ فَقَالَ فِي شَرحه: إِنَّه حَدِيث غَرِيب. وَخَالف فِي خلاصته فَذكره فِي فصل الضَّعِيف مِنْهَا، وَهُوَ فرع عَن مَعْرفَته، قَالَ فيهمَا: وَإِنَّمَا يعرف عَن ابْن مَسْعُود، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ كَذَلِك بِإِسْنَاد ضَعِيف.
فَائِدَة: المنقل- فتح الْمِيم أشهر من كسرهَا، وَالْقَاف مَفْتُوحَة فيهمَا، وَحَكَى النَّوَوِيّ فِي تهذيبه عَن شَيْخه ابْن مَالك أَنه بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح: الْخُف، وبالضم: الْخُف المصلح. وَأطلق الرَّافِعِيّ فِي شَرحه أَنه الْخُف. وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِنَّه الْخُف الْخلق. وَتَبعهُ الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب قَالَ: أَرَادَ أَنَّهَا مِمَّن تخرج إِلَى السُّوق فِي خفيها وَهِي من الْعَجَائِز الَّتِي لَا يرغب فِيهَا، وَجزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي خلاصته أَيْضا لكنه رد عَلَيْهِ فِي شَرحه فَقَالَ: الصَّحِيح الْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة: الأول.
وَقَالَ فِي تهذيبه: لم يُقَيِّدهُ أهل اللُّغَة وَلَا غَيرهم بذلك وَإنَّهُ الْمُعْتَمد.
قَالَ: وَالتَّقْيِيد بذلك قَالَه الإِمَام وَغَيره من الْفُقَهَاء.
قلت: وَكَذَا الْجَوْهَرِي فِي صحاحه وَأورد فِيهِ الحَدِيث شبه النَّقْل وَمثله المنقل- بِفَتْح النُّون وَكسرهَا- وَفِي التَّهْذِيب للأزهري عَن أبي عبيد عَن الْأمَوِي: أَنه الْخُف. قَالَ أَبُو عبيد: لَوْلَا أَن الرِّوَايَة وَالشعر اتفقَا عَلَى فتح الْمِيم مَا كَانَ وَجه الْكَلَام عِنْدِي إِلَّا الْكسر. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَرَوَى أَبُو الْعَبَّاس، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال للخف الْمعدل: والمنقل- بِكَسْر الْمِيم فيهمَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: المنقل بِفَتْحِهَا.

.الحديث السَّادِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صَلَاة الرجل فِي بَيته أفضل إِلَّا الْمَكْتُوبَة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف فِي الْبَاب قبله فِي الحَدِيث الثَّانِي بعد الْأَرْبَعين مِنْهُ.

.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من صَلَّى لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جمَاعَة يدْرك التَّكْبِيرَة الأولَى كتب لَهُ براءتان: بَرَاءَة من النَّار، وَبَرَاءَة من النِّفَاق».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق:
أَولهَا: من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه كَذَلِك. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن أنس مَوْقُوفا عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَا نعلم أحدا رَفعه إِلَّا مَا رَوَاهُ مُسلم بن قُتَيْبَة، عَن طعمة بن عَمْرو، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن أنس إِنَّمَا يُروى هَذَا عَن حبيب بن أبي حبيب البَجلِيّ عَن أنس قَوْله، وَلم يرفعهُ. قَالَ: وَرَوَى إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش هَذَا الحَدِيث عَن عمَارَة بن غزيَّة، عَن أنس، عَن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو هَذَا. قَالَ: وَهَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ وَهُوَ حَدِيث مُرْسل، عمَارَة بن غزيَّة لم يدْرك أنس بن مَالك.
قلت: وَهُوَ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل عَن غير الشاميين فَإِن عمَارَة مدنِي، وَقد نَص غير وَاحِد من الْأَئِمَّة عَلَى ضعف هَذَا الحَدِيث فَذكره ابْن أبي حَاتِم فِي علله من طَرِيق حبيب- غير مَنْسُوب، عَن أنس، وَأَنه سَأَلَ أَبَاهُ عَن حبيب هَذَا فَلم يعرفهُ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ حبيب هَذَا لَا مطْعن فِيهِ. وَتَبعهُ الذَّهَبِيّ فَقَالَ فِي الْمِيزَان: لَا أعلم بِهِ بَأْسا. وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث أنس، عَن عمر مَرْفُوعا: «من صَلَّى فِي مَسْجِد جمَاعَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا تفوته الرَّكْعَة الأولَى فِي صَلَاة الصُّبْح كتب لَهُ بهَا عتقا من النَّار» فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرْوَى عَن عمَارَة بن غزيَّة، عَن أنس بن مَالك، عَن عمر وَعمارَة لَا نعلم لَهُ سَمَاعا من أنس، رَوَاهُ عَنهُ هَكَذَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، وَرَوَاهُ يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن عمَارَة بن غزيَّة، عَن رجل، عَن أنس، عَن عمر.
وَرَوَاهُ أَبُو الْعَلَاء الْخفاف خَالِد بن طهْمَان الْكُوفِي، عَن حبيب بن أبي عميرَة الإسكاف، عَن أنس مَرْفُوعا، لم يذكر فِيهِ عمر. وَاخْتلف عَن أبي الْعَلَاء، فَقيل: عَنهُ، عَن حبيب بن أبي ثَابت. وَمن قَالَ ذَلِك عَنهُ فَهُوَ وهم. وَكَذَلِكَ يَقُول قيس بن الرّبيع وَعَطَاء بن مُسلم عَنهُ عَن خَالِد بن طهْمَان أبي الْعَلَاء الْخفاف الْكُوفِي، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن أنس. ووهما فِي نسب حبيب، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو الْعَلَاء الْخفاف، عَن أبي عميرَة حبيب الإسكاف الْكُوفِي، عَن أنس وَقيل: عَن أبي الْعَلَاء، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن نس. قَالَه قيس بن الرّبيع وَعَطَاء بن مُسلم عَنهُ، وَذَلِكَ وهم من قَائِله.
هَذَا نَص مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله من طَرِيق التِّرْمِذِيّ السالفة ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غير مَحْفُوظ ومرسل أَيْضا؛ لِأَن عمَارَة لم يدْرك أنس بن مَالك. ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث بكر بن أَحْمد، عَن يَعْقُوب بن تَحِيَّة، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن حميد، عَن أنس مَرْفُوعا: «من صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جمَاعَة صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الْعشَاء كتبت لَهُ بَرَاءَة من النَّار وَبَرَاءَة من النِّفَاق» ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، وَلَا نعلم رَوَاهُ غير بكر بن أَحْمد، عَن يَعْقُوب بن تَحِيَّة، وَكِلَاهُمَا مَجْهُول الْحَال.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَقد عرفت مَا فِيهِ فِي الطَّرِيق الَّذِي قبله.
رَوَاهُ ابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: «من صَلَّى فِي مَسْجِد جمَاعَة أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا تفوته الرَّكْعَة الأولَى من صَلَاة الْعشَاء كتب لَهُ عتقا من النَّار».
وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور فِي سنَنه بِلَفْظ الظّهْر بدل «الْعشَاء» وَكَذَا رَوَاهُ الْحَازِمِي.
وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي تَلْخِيص الْمُتَشَابه بِلَفْظ: «من شهد الصَّلَاة فِي جمَاعَة أَرْبَعِينَ لَيْلَة وأيامها لَا يكبر الإِمَام إِلَّا وَهُوَ فِي الْمَسْجِد كتب الله لَهُ بِيَدِهِ بَرَاءَة من النَّار».
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث أبي كَاهِل قَالَ: «قَالَ لي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا كَاهِل، إِنَّه من صَلَّى لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا- أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة- فِي الْجَمَاعَة يدْرك التَّكْبِيرَة الأولَى كَانَ حقًّا عَلَى الله أَن يكْتب لَهُ بَرَاءَة من النَّار» وَذكر حَدِيثا طَويلا.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، والعقيلي فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء، وَالْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي كناه ثمَّ قَالَ: أَبُو كَاهِل هَذَا لَهُ صُحْبَة، وَإِسْنَاده لَيْسَ بالمعتمد عَلَيْهِ وَقَالَ الْعقيلِيّ: إِسْنَاده مَجْهُول وَفِيه نظر وَلَا يعرف إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
قلت: والفضائل يتَسَامَح فِي أحاديثها مَا لم ينْتَه إِلَى الْوَضع.
قَالَ ابْن مهْدي- عَلَى مَا نَقله الْحَاكِم فِي أول كتاب الدُّعَاء فِي مُسْتَدْركه-: إِذا روينَا عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَحْكَام شددنا فِي الْأَسَانِيد وانتقدنا الرِّجَال، وَإِذا روينَا عَنهُ فِي فَضَائِل الْأَعْمَال وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب والمباحات والدعوات تساهلنا فِي الْأَسَانِيد.
قَالَ الرَّافِعِيّ: ووردت أَخْبَار فِي إِدْرَاك التَّكْبِيرَة الأولَى مَعَ الإِمَام نَحْو هَذَا.
قلت: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي ضُعَفَائِهِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لكل شَيْء صفوة، وصفوة الصَّلَاة التَّكْبِيرَة الأولَى» ثمَّ قَالَ الْعقيلِيّ: رَوَاهُ ابْن السكن عَن الْأَعْمَش وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ وَهُوَ مُنكر الحَدِيث.
قلت: وَضَعفه أَحْمد أَيْضا. وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «لكل شَيْء أنف، وإِن أنف الصَّلَاة التَّكْبِيرَة الأولَى فحافظوا عَلَيْهَا» وفِي إِسْنَاده مَجْهُول.
«وأنف كل شَيْء» بِسُكُون النُّون أَوله، قَالَه الصغاني.
وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَن السّلف من طرق حسان، قَالَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ: «إِذا رَأَيْت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولَى فاغسل يَديك مِنْهُ».
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب: «مَا فاتتني التَّكْبِيرَة الأولَى مُنْذُ خمسين سنة».
وَعَن ربيعَة بن يزِيد الدِّمَشْقِي: «مَا أذن الْمُؤَذّن لصَلَاة الظّهْر مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة إِلَّا وَأَنا فِي الْمَسْجِد، إِلَّا أَن أكون مَرِيضا أَو مُسَافِرًا».
وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود: «عَلَيْكُم بِحَدّ الصَّلَاة: التَّكْبِيرَة الأولَى».
وَعَن السّلف أَنهم كَانُوا يعزون أنفسهم إِذا فَاتَتْهُمْ التَّكْبِيرَة الأولَى، ويعزون سبعا إِذا فَاتَتْهُمْ الْجَمَاعَة.

.الحديث الثَّامِن:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تأتوها وَأَنْتُم تسعون، وائتوها وَأَنْتُم تمشون وَعَلَيْكُم السكينَة وَالْوَقار».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أخرجه الشَّيْخَانِ من طَرِيقين:
أولاهما: من حَدِيث أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحن نصلي مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ سمع جلبة رجال فَقَالَ: مَا شَأْنكُمْ؟ قَالُوا: استعجلنا إِلَى الصَّلَاة. قَالَ: فَلَا تَفعلُوا، إِذا أتيتم الصَّلَاة فَعَلَيْكُم السكينَة، فَمَا أدركتم فصلوا، وَمَا فاتكم فَأتمُّوا» وَقَالَ البُخَارِيّ: «فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنكُمْ؟».
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَكَانَت جديرة بالتقديم لقربها من رِوَايَة المُصَنّف- عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ فَلَا تأتوها وَأَنْتُم تسعون، وائتوها وَعَلَيْكُم السكينَة، فَمَا أدركتم فصلوا، وَمَا فاتكم فَأتمُّوا».
زَاد مُسلم: «فَإِن أحدكُم إِذا كَانَ يعمد إِلَى الصَّلَاة فَهُوَ فِي صَلَاة».
وَفِي لفظ آخر: «إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تأتوها تسعون وائتوها تمشون».
وَفِي آخر: «إِذا نُودي» وَفِي آخر: «إِذا ثوب إِلَى الصَّلَاة فَلَا يسْعَى إِلَيْهَا أحدكُم، ولَكِن ليمش وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار، ثمَّ صل مَا أدْركْت واقض مَا سَبَقَك».
وَلم يذكر البُخَارِيّ هَذَا اللَّفْظ- أَعنِي «واقض مَا سَبَقَك»- وَهِي من أَفْرَاد مُسلم، وَسَائِر رواياته مَعَ رِوَايَات البُخَارِيّ «وَمَا فاتكم فَأتمُّوا».
وَفِي كتاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام للْبُخَارِيّ: عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُلَيْمَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة رَفعه: «صلوا مَا أدركتم واقضوا مَا سبقكم» قَالَ: ونا آدم، نَا ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة وَسَعِيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «فَمَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فاقضوا» وَذكر الْبَيْهَقِيّ اخْتِلَاف الرِّوَايَة فِي «فَأتمُّوا» و«فاقضوا» ثمَّ قَالَ: وَالَّذين قَالُوا: «فَأتمُّوا»: أَكثر وأحفظ وألزم لأبي هُرَيْرَة، فَهُوَ أولَى. وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُسلم بن الْحجَّاج قَالَ: لَا أعلم رَوَى هَذِه اللَّفْظَة عَن الزُّهْرِيّ غير ابْن عُيَيْنَة: «واقضوا مَا فاتكم.» قَالَ مُسلم: وَأَخْطَأ ابْن عُيَيْنَة فِيهَا.
قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ يُونُس والزبيدي وَابْن أبي ذِئْب وَإِبْرَاهِيم بن سعد وَمعمر وَشُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: «وَمَا فاتكم فَأتمُّوا». وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ وَحده: «فاقضوا» وَقَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. وجعفر بن ربيعَة، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة: «فَأتمُّوا». وَابْن مَسْعُود وَأَبُو قَتَادَة وَأنس عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «فَأتمُّوا».
قلت: لم ينْفَرد ابْن عُيَيْنَة بِلَفْظ الْقَضَاء فقد تَابعه ابْن أبي ذِئْب- كَمَا أسلفناه فِي كتاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام للْبُخَارِيّ؛ لَكِن فِي صَحِيح ابْن حبَان من حَدِيث ابْن أبي ذِئْب، عَن الزُّهْرِيّ: «وَمَا سُبقتم فَأتمُّوا».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث شُعْبَة، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: ائْتُوا الصَّلَاة وَعَلَيْكُم السكينَة، فصلوا مَا أدركتم واقضوا مَا سبقتم قد توبع الزُّهْرِيّ وَغَيره عَلَيْهَا لَا جرم.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام: اخْتلف فِي هَذِه اللَّفْظَة، فَقيل: «فَأتمُّوا» وَقيل: «فاقضوا». وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
قلت: وَالْقَضَاء فِي عرف الشَّرْع هُوَ الْإِتْمَام فَلَا فرق إِذا بَينهمَا قَالَ الله- تَعَالَى-: فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم وفَإِذا قضيتم الصَّلَاة.
ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن ابْن الْجَوْزِيّ سَاق الحَدِيث فِي تَحْقِيقه بِإِسْنَادِهِ إِلَى مَحْمُود بن إِسْحَاق الْخُزَاعِيّ، نَا البُخَارِيّ، نَا أَبُو نعيم، نَا ابْن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: «مَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فاقضوا». ثمَّ قَالَ: أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَمرَاده أَصله، وَأما لفظ الْقَضَاء فقد علمت أَنه من أَفْرَاد مُسلم بِلَفْظ: «واقض مَا سَبَقَك» لَا كَمَا سَاقه ابْن الْجَوْزِيّ. فَتنبه لذَلِك.

.الحديث التَّاسِع:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مَا صليت وَرَاء إِمَام قطّ أخف صَلَاة وَلَا أتم من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته، أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا. كَذَلِك زَاد البُخَارِيّ: «وَإِن كَانَ يسمع بكاء الصَّبِي فيخفف مَخَافَة أَن تفتن أمه». وَفِي رِوَايَة لَهما: «إِنِّي لأدخل فِي الصَّلَاة أُرِيد إطالتها فَأَسْمع بكاء الصَّبِي فأتجوز فِي صَلَاتي مِمَّا أعلم من شدَّة وجد أمه من بكائه» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ من أخف النَّاس صَلَاة فِي تَمام». وَفِي البُخَارِيّ نَحوه من حَدِيث أبي قَتَادَة.

.الحديث العَاشِر:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أم أحدكُم النَّاس فليخفف».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ أَيْضا، أودعاه فِي صَحِيحَيْهِمَا من طَرِيق أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِزِيَادَة: «فَإِن فيهم الصَّغِير وَالْكَبِير والضعيف وَالْمَرِيض، فَإِذا صَلَّى وَحده فَليصل كَيفَ شَاءَ». لم يذكر البُخَارِيّ الصَّغِير وَأَخْرَجَاهُ فِي صَحِيحَيْهِمَا أَيْضا من حَدِيث أبي مَسْعُود البدري عقبَة بن عَمْرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بعضه، وَفِي آخِره: «فَأَيكُمْ أم النَّاس فليوجز؛ فَإِن من وَرَائه الْكَبِير والضعيف وَذَا الْحَاجة» وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ «الْمَرِيض» بدل «الْكَبِير».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَفِي رِوَايَة «إِذا أم أحدكُم بِقوم فليخفف».
وَهَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا مُسلم فِي صَحِيحه من حَدِيث عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: أم قَوْمك. قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أجد فِي نَفسِي شَيْئا. قَالَ: ادنه. فأجلسني بَين يَدَيْهِ، ثمَّ وضع كَفه فِي صَدْرِي بَين ثديي، ثمَّ قَالَ: تحول فوضعها فِي ظَهْري بَين كَتِفي، ثمَّ قَالَ: أم قَوْمك فَمن أم قوما فليخفف؛ فَإِن فيهم الْكَبِير وَإِن فيهم الضَّعِيف وَإِن فيهم الْمَرِيض وَإِن فيهم ذَا الْحَاجة، إِذا صَلَّى أحدكُم وَحده فَليصل كَيفَ شَاءَ».
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «آخر مَا عهد إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أممت قوما فأخفف بهم الصَّلَاة».
والْحَدِيث من أَفْرَاد مُسلم، بل لم يخرج البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ شَيْئا.

.الحديث الحَادِي عشر:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْتَظر في صلَاته مَا سمع وَقع نعل».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد فِي سنَنه من حَدِيث مُحَمَّد بن حجادة، عَن رجل، عَن عبد الله بن أبي أَوْفَى «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقوم فِي الرَّكْعَة الأولَى من صَلَاة الظّهْر حَتَّى لَا يسمع وَقع قدم».
وَهَذَا حَدِيث ضَعِيف بِجَهَالَة هَذَا الرجل لَكِن قَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين الْمزي فِي أَطْرَافه: رَوَى هَذَا الحَدِيث أَبُو إِسْحَاق الخميسي، عَن مُحَمَّد بن جحادة، عَن كثير الْحَضْرَمِيّ، عَن ابْن أبي أَوْفَى. بِطُولِهِ.
قلت: وَالظَّاهِر أَن كثيرا هَذَا هُوَ كثير بن مرّة الَّذِي رَوَى عَن معَاذ وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة، وَهُوَ ثِقَة كَمَا شهد لَهُ بذلك ابْن سعد وَالْعجلِي وَابْن حبَان، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ. فَإِن يكنه فإسناده صَحِيح.
ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك فِي شرح الْمُهَذّب للنووي أَن بعض الروَاة سَمّى هَذَا الرجل الْمَجْهُول فَقَالَ: طرفَة الْحَضْرَمِيّ.
قلت: فَإِن يَكُنْه فَفِي كتاب الْأَزْدِيّ: أَن طرفَة الْحَضْرَمِيّ لَا يَصح حَدِيثه.

.الحديث الثَّانِي عشر:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حمل أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ، فَإِذا سجد وَضعهَا وَإِذا قَامَ حملهَا».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح من حَدِيث أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَمَا سلف فِي بَاب الِاجْتِهَاد.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن يزِيد بن الْأسود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «شهِدت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّته، فَصليت مَعَه صَلَاة الصُّبْح فِي مَسْجِد الْخيف، فَلَمَّا قَضَى صلَاته وانحرف إِذا هُوَ برجلَيْن فِي آخر الْقَوْم لم يصليا مَعَه، فَقَالَ: عليَّ بهما. فجيء بهما ترْعد فرائصهما، قَالَ: مَا منعكما أَن تصليا مَعنا؟ فَقَالَا: يَا رَسُول الله، إِنَّا كُنَّا قد صلينَا فِي رحالنا. قَالَ: فَلَا تفعلا، إِذا صليتما فِي رحالكما ثمَّ أتيتما مَسْجِد جمَاعَة فَصَليَا مَعَهم، فَإِنَّهَا لَكمَا نَافِلَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنهمْ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه كَذَلِك، وَفِي رِوَايَة للدارقطني: «سبْحَة» بدل «نَافِلَة».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم: إِسْنَاده صَحِيح وَصَححهُ ابْن السكن أَيْضا.
قلت: ومداره من طَرِيق هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة عَلَى يعْلى بن عَطاء، عَن جَابر بن يزِيد بن الْأسود، عَن أَبِيه، وَقد طعن فِيهِ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم حَيْثُ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد مَجْهُول. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَن يزِيد بن الْأسود لَيْسَ لَهُ راوٍ غير ابْنه، وَلَا لجَابِر راوٍ غير يعْلى، ويعلى لم يحْتَج بِهِ بعض الْحفاظ، وَكَانَ يَحْيَى بن معِين وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة يوثقونه، وَهَذَا الحَدِيث لَهُ شَوَاهِد. فَذكرهَا.
قلت: ويعلى من رجال مُسلم، قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: وَرَوَاهُ جمَاعَة عَنهُ. فَذكرهمْ، قَالَ: وَقد احْتج بِهِ مُسلم.
قلت: وَجَابِر بن يزِيد وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ فَهَذِهِ وَجه من صَححهُ.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى: «وليجعل الَّتِي صَلَّى فِي بَيته نَافِلَة» لَكِنَّهَا شَاذَّة ضَعِيفَة.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بعد أَن أَخْرَجَاهَا: هَذِه الرِّوَايَة شَاذَّة ضَعِيفَة مَرْدُودَة؛ لمخالفتها الثِّقَات والحفاظ وَنَصّ عَلَى ذَلِك غَيرهمَا أَيْضا.
الثَّانِي: «الفرائص»- بالصَّاد الْمُهْملَة- جمع فريصة وَهِي لحْمَة فِي وسط الْجنب قريبَة من الْقلب ترتعد عِنْد الْفَزع، قَالَه الْخطابِيّ.
الثَّالِث: نَحْو هَذَا الحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي ذَر، وَفِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث محجن الديلِي، وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث يزِيد بن عَامر.